قال العصري سعيد الظاهري، سفير دولة الإمارات لدى المملكة المغربية، إن الاحتفال باليوم العالمي للشباب ليس تمجيداً لماض لن يعود أو أسف وحسرة على حاضر مأزوم، وإنما الهدف منه الأمل ودفع الشباب إلى محاكاة القيم الحضارية للأسلاف من أجل بناء تاريخ يكون محط فخر واعتزاز للأحفاد.
وأضاف الظاهري، في مقال بعنوان: “الشباب الإماراتي المغربي: التزام بالقيم الأصيلة والثوابت المشتركة”، إن الحاجة ملحة إلى بذل جهد أكبر وأكثر فعالية لمعالجة انشغالات الشباب والإنصات لصوتهم قصد استيعاب أسئلتهم وطرق تفكيرهم وترشيد استخدام للتقنيات الرقمية وفق رؤية نوعية وشاملة.
واعتبر السفير الإماراتي أن الاحتفال بهذا اليوم مناسبة لإبراز قدرات الشباب وطاقتهم الخلاقة باعتبارهم شركاء حاضر ومستقبل المجتمع، ومركز الثقل لأي مشروع تنموي، إذ يضطلعون بأدوار جوهرية في تقدم وازدهار الدول.
هذا نص المقال:
يصادف 12 أغسطس من كل سنة الاحتفال باليوم العالمي للشباب، وهي مناسبة لإبراز الالتزام الراسخ لدولة الإمارات العربية المتحدة لفائدة الشباب باعتبارهم عماد الدولة وأساس قوتها وطريقها للمستقبل؛ لذلك تحرص القيادة على دعمهم وتمكينهم بكل السبل المختلفة والأشكال الممكنة، حتى يتسنى لهم القيام بأدوارهم الاجتماعية والمساهمة في تنمية بلدهم بروح المسؤولية والالتزام الوطني الصادق. كما أن هذه المناسبة تشكل حلقة وصل تربط الحاضر بالماضي من خلال أجيالنا الشابة التي تفتخر بأمجاد أجدادها وتقتدي بسنتهم في درب الحياة بتحدياته وآماله المتغيرة؛ ومما زادهم في ذلك الاستناد إلى قيمهم المعنوية الأصيلة الثابتة التي تحفز على الصمود وتحدي الصعاب، والتشبع بثقافة التضامن والتطوع والعمل الخيري والتسامح ونبذ العنف والتطرف. وليس في الأمر تمجيد لماض لن يعود أو أسف وحسرة على حاضر مأزوم، وإنما نزرع الأمل وندفع شبابنا إلى محاكاة القيم الحضارية لأسلافنا من أجل بناء تاريخ يكون محط فخر واعتزاز لأحفادنا.
لقد ارتبط عصرنا الحالي، على خلاف نهايات القرن الماضي، بمفاهيم جديدة، مثل الثورة المعلوماتية والمجتمع الرقمي، وغيرهما من مفاهيم عصر التكنولوجيا الذي تحولت فيه الحواسب واللوحات الإلكترونية والهواتف الذكية إلى جهاز عصبي للمجتمعات والأفراد، عصر من سماته الأساسية القلق والخوف والريبة في ظل عولمة جارفة بتناقضاتها وصراعاتها الحضارية، أفرزت مجموعة من مظاهر الانحراف القيمي والسلوكي لدى شرائح معينة من المجتمع. وبالإضافة إلى تأثير الجوانب السلبية لثورة المعلومات والاتصالات، دخل الشباب في أزمة مركبة ذات أبعاد متعددة؛ وأصبحت العوالم الافتراضية اللامتناهية الشاغل اليومي لحياتهم الاجتماعية والإطار المرجعي لكثير من أفكارهم وسلوكياتهم.
نتيجة لما سبق، اضطربت ذهنية بعض الشباب وارتبكت منظومة القيم لديهم، التي تولد عنها شعور الضياع ونزعة من اليأس والإحباط، وكادت الهوية والقيم تتبدد بين انتماءات جديدة ترى أنها قد توفر لمنتسبيها قدرا من الطمأنينة. كل هذا يجعل الحاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى بذل جهد أكبر وأكثر فعالية لمعالجة انشغالات الشباب والإنصات لصوتهم قصد استيعاب أسئلتهم وطرق تفكيرهم، وترشيد استخدام هذه التقنيات الرقمية وفق رؤية نوعية وشاملة لحماية الشباب وتحصينه ضد المؤثرات الخارجية، بحيث يجد فيها ما يشده نفسيا وثقافيا ويفيده في أوقات فراغه.
نعم إنها مناسبة للاحتفال بالشباب تعني في جملة ما تعنيه مناسبة لإبراز قدراتهم وطاقتهم الخلاقة، باعتبارهم شركاء حاضر ومستقبل المجتمع، ومركز الثقل لأي مشروع تنموي، إذ يضطلعون بأدوار جوهرية في تقدم وازدهار الدول؛ سواء بسواعدهم القوية القادرة على البناء والإنتاج أو بعقولهم النيرة المؤهلة للابتكار والإبداع في بناء مستقبل مزدهر للشعبين الشقيقين الإماراتي والمغربي. وهي فرصة لكي يعرف شبابنا صلابة العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين، ومسؤوليتهم المستقبلية في الدفع بها نحو مستويات أعلى من التفاهم الدائم والتعاون المستمر بينهما.
اليوم يشارك شباب دولة الإمارات العربية المتحدة مع شباب العالم الاحتفال بهذه المناسبة، التي لا شك أنها تشكل له حافزاً مهماً؛ فهو مدعو في الوقت نفسه للمشاركة والعمل برؤية مستقبلية واعدة ومتبصرة وبروح يملؤها التفاؤل والتشبث بثوابت الهوية الإماراتية والانفتاح على القيم الكونية.
فقد نستطيع القول إننا أصبحنا مجتمعا شابا تشكل هذه الفئة النسبة الكبرى في هرمه السكاني، وهي نسبة بمثابة مصدر هائل من الموهبة والإبداع والطاقة. فالشباب يملكون إمكانات كبيرة من أجل دفع عجلة التقدم الاجتماعي والاقتصادي والمضي قدماً في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وفي تعزيز وحماية حقوق الإنسان وتنمية المهارات والقدرات والحلول المبتكرة لبناء المرونة والقدرة على الصمود في وجه التحديات.
ولتحقيق هذه الغاية، تواصل دولة الإمارات وقيادتها، انطلاقاً من إيمانها بطاقات الشباب وإمكانياتهم ودورهم الفاعل في مسيرة التطور والازدهار، حرصها على تمكين الشباب وتوفير جميع فرص التميز لهم؛ من خلال الوقوف عند الإنجازات المحققة على كافة المستويات في تلبية تطلعات الشباب وترجمتها إلى واقع ملموس، بحيث تتطلع الرؤية الاستشرافية لمستقبل الشباب إلى الاهتمام بشكل دائم بتطوير التعليم، كما كان يؤكد على ذلك القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” بالقول: “إن الاستثمار الأعظم للدولة يكمن في بناء أجيال من الشباب المتعلم المزود بالمعرفة”.
إلى جانب هذا تعمل الدولة على إتاحة الفرص أمام الشباب لتعزيز حضوره بفاعلية في إدارة الشأن العام، وانخراطه في فعاليات المجتمع المدني لممارسة حقوقه وواجباته المرتبطة بالمواطنة بشكل كامل؛ وفي هذا الصدد تحرص على إعطاء الأولوية القصوى لبناء القدوة لشباب العالم وللإماراتيين في الحاضر والمستقبل من خلال ترسيخ الثقة في قدرتهم على القيادة وتحمل المسؤوليات والمساهمة في البناء الجماعي للدولة ومستقبلها، ولن يتأتى ذلك دون تزويدهم بأسس التعلم والتطور الشخصي مدى الحياة، ودعم استثمار التنوع الثقافي والثراء الفكري، دعما للهوية الثقافية لدى الشباب وفقا لرؤية مستمدة من الثقافة المتأصلة والمتفتحة على الحوار والتفاعل مع الآخر والقبول به؛ وهي القيم التي تساهم في تنمية قدرات التفاعل الإيجابية لدى الشباب، بما يدعم لديه المناعة والتوازن، ويجنبه سلوكيات العنف والتطرف والكراهية في الفضاءات العامة، وبالتالي تصبح قدراته كقوة اقتراح وإنجاز فاعلة للتصدي للمخاطر التي تواجه الشباب، وتساهم في لعب دور بنَّاء في تحقيق التماسك الأسري والاندماج المجتمعي والارتقاء بقيم التسامح والقبول بالآخر مهما تباعدت أوجه الاختلاف.
وتعد هذه المناسبة فرصة مواتية لتسليط الضوء على الجهود التي تبذلها المملكة المغربية الشقيقة في تعزيز أدوار الشباب داخل المجتمع المغربي، الغني بثقافته وقيمه الحضارية المتميزة…لا يمكن لأي أحد إنكار النتائج المحرزة للمبادرات والمشاريع التي يقودها جلالة الملك محمد السادس لصالح الشباب الذين يشكلون نسبة الثلث في الهرم السكاني، ولا أدل على ذلك الحرص المتواصل على ضرورة وضع قضايا الشباب في صلب الرؤية المستقبلية للمملكة وتسخير كل الإمكانات لجعلهم في ريادة الشباب العالمي.
لنا أن نفخر، ونحن نعيش وسط هذا الشعب المضياف والمتشبث بهويته وأصالته، بما حققته المملكة المغربية من تقدم في تحسين الآفاق المستقبلية للشباب وترسيخ قيم المواطنة والتسامح ونبذ كل أشكال التمييز والعنف لديهم، وتحفيزهم على المشاركة في الحياة العام بكيفية بناءة لإنجاز الأفضل.
إن التطلعات المعقودة على الشباب تبعث فينا الأمل للعمل بكل تفان من أجل الحفاظ على وشائج العلاقات الأخوية المتينة والعريقة بين الشعبيين الشقيقين من جيل لجيل، نهجا على وصية المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأخيه جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما؛ وهي الوصية التي نحملها على عاتقنا إلى شباب المستقبل في بلدينا حتى يكونا يدا واحدة وسندا لبعضهما البعض عند الشدائد.
#السفير #الظاهري #يرصد #التزام #الشباب #الإماراتي #والمغربي #بالقيم #الأصيلة