أخبارأراء

العداء الفرنسي للمغرب من خلال الموقف التونسي

أثار الاستقبال الرسمي الذي خصصه رئيس الجمهورية التونسية لزعيم جبهة البوليساريو استغرابا كبيرا حول أسباب تراجع الدولة التونسية عن موقفها الحيادي إزاء قضية الصحراء، وهو الموقف الذي طالما تمسكت به تونس طوال المراحل السابقة، لاعتبارات عدة من أبرزها موقعها الجيوسياسي في منطقة المغرب العربي، بالإضافة إلى حجم التقارب والتفاهم الذي كان يطبع العلاقات الدبلوماسية ما بين الرباط وتونس. لكن هذا التحول الذي طرأ على الموقف التونسي له ما يبرره، وإن كان من المنظور الفوقي يكتنفه الكثير من الغموض.

إن التطرق لموضوع من هذا الحجم يتطلب بالضرورة أولا قراءة الوضع في سياقه الكرنولوجي، حتى نتمكن من فهم طبيعة الصراع حول القرار السياسي داخل تونس، ثم إدراك مكامن التحكم في هذا الأخير.

لمحة مقتضبة عن الصراع حول السلطة في تونس

عاشت تونس مراحل سياسية متقلبة بعيد استقلالها، غلب عليها طابع الاستبداد والتحكم، خصوصا في مرحلة الرئيس زين العابدين بنعلي، التي انتهت بفعل الحراك الذي هز المنطقة، وكانت ميادين تونس وساحاتها شاهدة على انطلاقته، وعجل بإزاحة بنعلي من السلطة. وانطلاق شرارة الحراك إلى دول أخرى بالمنطقة.

إقرأ أيضا :  أكاديميون يناقشون الكيفيات الناجعة في تعزيز آليات الترافع عن الوحدة الترابية

بيد أن مطالب التغيير ارتكزت أساسا على قاعدة جوهرية تنحو في اتجاه البحث عن حل سياسي سلمي يتوج هذا الحراك؛ وذلك في إطار ديمقراطي، ما لقي دعما من قبل قوى غربية (الولايات المتحدة الأمريكية)، التي سارعت إلى الاستفادة من الوضع بغية اتخاذ موقع جديد في إطار إعادة ترتيب موازين القوى داخل المنطقة، من خلال تقليص هيمنة الشركاء التقليدين (فرنسا)؛ وذلك عبر دعم قوى سياسية جديدة (حركة النهضة).

وقد تأتى لهذا التوجه السياسي الجديد أن يتموقع داخل الحقل السياسي، خصوصا بعد الانتخابات التي شهدتها تونس، وأفرزت حكومة جديدة، حاولت رسم قطيعة مع التجربة السياسية لمرحلة ما قبل الثورة. هذا الوضع السياسي الجديد سرعان ما فشل في الحفاظ على مكاسبه تلك، لاسيما في ظل تعنت (القوى المحافظة/الكلاسيكية) بما تمثله داخل أجهزة الدولة والمجتمع، والمدعومة من قبل فرنسا، حيث أبدت صمودا وتحديا كبيرين من أجل الحفاظ على مواقعها رغم جهود الإصلاح التي باشرها النظام الجديد لفرملتها. لكن رغبة القوى الإقليمية (فرنسا) كانت أقوى في ضبط الوضع بما يتماشى ومصالحها داخل المجال الإقليمي للمنطقة، والحفاظ على وزنها التاريخي والسياسي كحليف تقليدي وإستراتيجي أول داخل منطقة المغرب العربي، بالإضافة إلى حصر تمدد القوى السياسية الجديدة.

هذه التجربة لم يكتب لها أن تستمر، خصوصا بعد وصول قيس سعيد إلى السلطة، الذي يمثل التوجه المحافظ داخل الدولة، والمدعوم من قبل (فرنسا)، وهو ما دفعه إلى اتخاذ مجموعة من القرارات ذات الصبغة السياسية، من قبيل حل البرلمان وعزل القضاة… الغاية منها القطع كليا مع التجربة الجديدة بما تمثله من توجهات سياسية مدعومة من قبل قوى غربية (الولايات المتحدة الأمريكية). ومن هذا كله تبرز الهيمنة المطلقة للمصالح الفرنسية على القرار السياسي في تونس، في علاقته بالوضع الداخلي، وكذلك الشأن بالنسبة للوضع الخارجي (القرارات الدبلوماسية).

علاقة القرار السياسي التونسي بموضوع الصحراء المغربية

عرف ملف الصحراء تحولات عميقة، خصوصا بعد الموقف الإسباني، الذي خلخل موازين القوى، بالنظر إلى موقع إسبانيا داخل خريطة الصراع، ما أزعج فرنسا وجعلها في موقف حرج نتيجة تصلب موقفها، الذي لا يسهم في أي تقدم لإيجاد حل جديد، ما حدا بالمغرب إلى تبني خطاب بديل وواضح في الآن ذاته، لاسيما في علاقته بباريس، التي أضحت مطالبة بتغيير موقفها أسوة بمدريد، ذلك أن الخطاب الملكي الأخير كان قويا ومباشرا في علاقته بالموقف الفرنسي.

في المقابل، كان من الطبيعي أن تبحث فرنسا عن صيغ أخرى لتصريف موقفها ولو بشكل غير مباشر، يكتنفه المكر الدبلوماسي، من خلال إرغام حلفائها الجدد بالمنطقة (قيس سعيد) على إنتاج موقف تصعيدي ومغاير للموقف الدائم لتونس؛ وذلك بغاية التصدي للموقف المغربي والرد عليه وخلق حالة من الإرباك، خصوصا بعد النجاح النوعي الذي حققه المغرب في هذا الملف، وإن كانت المواقف التونسية من منظور الكلفة السياسية (الوضع الداخلي للدولة التونسية) ليست لها أي قيمة تذكر، ذلك أن الحالة السياسية والاقتصادية لتونس لا تسمح لها بالتدخل في المشاكل الداخلية لدول المنطقة، الذي لا يخدم المصالح العليا للدولتين، اللتين تحكمها روابط التاريخ والجغرافيا.

كما يفهم من الموقف السياسي المباشر المعبر عنه من قبل الرئيس التونسي بخصوص قضية الصحراء أنه لا يعدو أن يكون تجليا لصراع غير مباشر، لكنه حاضر بقوة ما بين المغرب وفرنسا، بفعل التحولات التي عرفها ملف الصحراء المغربية، لاسيما بعد الاعتراف الأمريكي وما يمثله من دعم قوي على مستوى الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الاعتراف الإسباني الذي أعطى دفعة قوية في اتجاه تعزيز الموقف المغربي وتقويته، ما أزعج فرنسا بما تمثله داخل مربع الصراع، وأرغمها على سلك طرق ملتوية للحفاظ على مكاسبها .

#العداء #الفرنسي #للمغرب #من #خلال #الموقف #التونسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى