تتلاحق تطورات ملف الصحراء المغربية بشكل متسارع داخل ردهات مجلس الأمن الدولي؛ بعدما خصَّص المجلس الذي ترأسه دورياً هذا الشهر جمهورية الغابون، أحد أبرز أصدقاء المملكة المغربية، أربع جلسات نقاش للملف وتداول مستجداته وتقرير الأمين العام في الموضوع، طيلة شهر أكتوبر 2022.
هذا بينما يرتقب أن يُختتم الشهر بقرار أممي جديد يدعو الجزائر صراحة إلى العودة إلى مسار المفاوضات واستئناف مسار الطاولات المستديرة.
وتضع الجزائر يدها على قلبها، مُترقّبة ما ستُسفر عنه نتائج التصويت على مسودة قرار لمجلس الأمن قد تضعها في موقع “المُلزَم” بالرجوع إلى طاولة المفاوضات، باعتبارها طرفا في النزاع المفتعل، في جلسة لتبني القرار الأممي ستُعقد يوم 27 أكتوبر الجاري؛ فيما أضحى في حُكم المؤكد تمديد مهامّ بعثة المينورسو في الأقاليم الجنوبية للمملكة لمدة عام إضافي بحلول 31 أكتوبر 2023.
وتعليقا على هذه التطورات، اعتبر محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أنه “لا شك أن إجراء دي ميستورا هذا اللقاء في هكذا توقيت حساس، قبيْل إصدار قرار مجلس الأمن حول الصحراء، يُبرز الدور الأمريكي في تعاطي الأمم المتحدة مع الملف، كونُ الولايات المتحدة الأمريكية هي المُمسكة بالقلم في ما يتعلق بصياغة قرارات الهيئة الأممية التنفيذية حول الصحراء”.
ولفت الخبير في قضايا الصحراء، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “الدور الأمريكي إلى جانب مواقف عديد القوى الدولية الوازنة الداعمة للمغرب سينعكس إيجابا على تعاطي الأمم المتحدة مع قضية الصحراء، من خلال تكريس أولوية وأسبقية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، بحكم الحلف الإستراتيجي الذي يجمع البلدين، الذي انعكس من خلال اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية (في عهد الرئيس السابق ترامب) بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية”.
وأضاف عبد الفتاح شارحا أن القرار الأممي المرتقب “سيكون منسجما مع التقييم الوارد في تقرير الأمين العام الأممي، الذي سبق له إبراز الانخراط الجدي للمغرب في الجهود والمساعي الدولية الرامية إلى طي ملف النزاع”، مشيرا إلى أنه في المقابل “يؤكد غوتيريش رفض الجزائر التجاوب مع الدعوات الأممية المتتالية لها إلى الانخراط في آلية الطاولات المستديرة التي أقرها قرار مجلس الأمن رقم 2602، الصادر في أكتوبر 2021، كما يفضح عرقلة البوليساريو عمل البعثة الأممية الميداني في الصحراء”.
“إنها المقاربة الأممية المتسمة بالواقعية والعقلانية، والتي باتت تتبنّاها قرارات مجلس الأمن في السنوات الأخيرة، ويعبر عنها الأمين العام الأممي في تقاريره”، يورد المتحدث ذاته، وزاد: “إلى جانب الصرامة التي يبديها المغرب في التعاطي مع حلفائه وشركائه من القوى الدولية، ودبلوماسية الرباط المتّزنة إزاء كافة الفاعلين الدوليين… كلها عوامل ستفرض إقرار مجلس الأمن بالسيادة المغربية من خلال الإشادة بمبادرة الحكم الذاتي والتحذير من تداعيات أي تصعيد أو تعنت يعكف على إعداده خصوم المغرب وأعداء وحدته الترابية”.
وخلص عبد الفتاح إلى أن الوضع اليوم يتسم بأنه “المعسكر الانفصالي لم يعد في مواجهة المغرب فحسب، بل بات في مواجهة المجتمع الدولي برمته، بحكم تعاطي الأمم المتحدة مع ملف الصحراء من خلال إعمال مبدأ احترام سيادة الدول، الذي يعد أحد أهم مبادئ الشرعية الدولية، واقتصارها على التعاطي مع الدول ذات السيادة من أعضاء الهيئة الأممية، وتجاوز الكيانات الانفصالية التي باتت تهدد السلم والاستقرار الدوليين”.
الجزائر في “موقف حرج”
جواباً عن سؤال لهسبريس حول تداعيات قرار مجلس الأمن في حال إقرار المسودة الأمريكية على موقف الجزائر الرافض لمسار المفاوضات وتملصها المستمر من مسؤوليتها في إطالة أمد النزاع، لفت الخبير ذاته إلى أن “التطورات الأخيرة تفضح دور الجزائر كطرف رئيسي معني بالنزاع في الصحراء، وليست مجرد داعم لحق تقرير المصير كما تروّج لذلك دعايات الانفصاليين”، موضحا أنها “عوامل ستفرض دعوة قرار مجلس الأمن المرتقب، مجددا، الجزائر إلى المشاركة في آلية الطاولات المستديرة”.
وختم محمد سالم عبد الفتاح حديثه مع هسبريس بالقول إن ذلك “سيضع الجزائر في وضع حرج، كونها ستضطر للانصياع للشرعية الدولية والمساهمة في إيجاد حل سياسي يتوافق مع احترام سيادة الدول المعنية، وإما ستبرز أكثر بدور المُعرقِل للجهود والمساعي الأممية لطي الملف”.
جدير بالتذكير أن هذه التطورات المتسارعة تأتي تزامنا مع لقاء نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان، مع المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية، ستافان دي ميستورا، أمس الجمعة في العاصمة واشنطن، في إطار المشاورات المكثفة التي يجريها المسؤول الأممي تزامنا مع قرب صدور قرار مجلس الأمن الدولي.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، فقد أكدت نائبة بلينكن دعم الولايات المتحدة الكامل لجهود دي ميستورا لدفع العملية السياسية الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة، في حين ناقش الطرفان، وفق المصدر ذاته، “أهمية توسيع جميع المعنيين مواقفهم من أجل التوصل إلى حل دائم للنزاع”.
#المشاورات #السياسية #قبل #قرار #مجلس #الأمن #تضع #الجزائر #في #موقف #حرج