تعتبرُ اللغةُ أهمَ وسيلةٍ إنسانيَّة للتَّواصل والتَّعارفِ بين البشر من مختلفِ أوطانهم ومواقعهم ولهجاتهم، كما تعدُّ أداةً فعالةً للتَّعبير عن العواطفِ والمتطلباتِ الإنسانيَّة ومستلزماتِ الإنسان، وهي المُكوِّنُ الأساسيُّ لبناء ثقافةِ الفردِ والجماعةِ البشريَّةِ، ويستحيلُ أيُّ بناءٍ ثقافيٍّ دونَ الاهتمام بلغة هذه الجماعةِ والتركيز على سيادتها والتمكين لها في شتى مجالات الحياةِ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا… كما تحظى اللغة باهتمام الجهات المسؤولةِ عن قطاعات التعليم، فاللغات تعد مفتاحا للتخصصات العلمية وكذا الانفتاح على الثقافات والأمم الجديدة.
وفي هذا الإطار تحتل اللغة العربيَّةُ مكانةً مهمةً بين لغات العالم، حيثُ أصبحَ الإقبال على تعلمها يشهدُ تزايُدا واضحا في الفترة الراهنة، وذلك يرجعُ لعدةِ اعتباراتٍ وعواملَ، على رأسها انفتاحُ القوى الاقتصاديَّة على السوقِ العربيَّةِ، فكانَ لزاما على هذه القوى أن تنفتحَ على ثقافةِ ولغةِ الوطنِ العربيِّ، للتعرفِ على نمط الاستهلاك في الثقافةِ العربيَّة، لذا ازداد الحرصُ على تعلُّمِ اللغةِ العربيَّة من طرفِ الآخر لهذه الأغراضِ والمصالح.
وهذا الانفتاحُ على تعلُّم العربيَّة يطرحُ الحاجةَ إلى توفر كفاءاتٍ علميَّةٍ للتدريس والتأليفِ المدرسيِّ، إذْ يعد مدرِّسُ اللغة هنا حلقةً مهمةً لا غنى عنها لتحقيق الأهداف المرجوة من هذا التعليم، ومن ثمَّة كانَ من الواجبِ تأهيلُ أستاذ اللغة العربيَّة تأهيلا يُمكِّنُهُ من أداء المهمةِ على أكملِ وجهٍ، فهو سفير هذه اللغةِ في البلدِ الَّذي يشتعلُ بها، ويُوصَفُ المُدرِّسُ بكونِهِ المُحرِّك الأساس في عملية التَّطويرِ التَّربويِّ لهذه اللغةِ، وهوُ المُرشِدُ والمُوجِّهُ لهذه العملية.
وأثناءَ هذه العملية، عمليةِ تدريس اللغة العربيَّةِ لغير الناطقينَ بها تُواجِهُ مُدرسيها العديدُ من المشاكل والعراقيل، وخلال هذا المقال سنعرضُ لكم أهمَ المشاكل التي تعرقلُ عمليَّةَ تدريس اللغة العربيَّة للناطقين بغيرها.
وأولُ هذه المشاكل التي تُواجهُ مُدرسَ العربية للناطقين بغيرها ضعفُ اللغة الثانيَّة لدى هذا المدرِّس، وقد يكونُ بعضُهُم أُحاديو اللُّغةِ ومع ذلك يتطاولون على عمليَّةٍ معقدةٍ كهاته، وهذا مشكلٌ يعاني منه العديدُ من المُدرسينَ، إذْ لم يحققوا التمكنَ الجيدَ من اللغات الأجنبيَّة كي يتخصصوا في التَّدريس، لذا فإنَّ التَّمكنَ وإتقانَ اللُّغةِ الأمِ لدى المتعلمينَ يعتبرُ أهمَ شروطِ المدرِّسِ، وهذا الإتقانُ يشملُ بالإضافةِ إلى المَعَارِفِ اللُّغويَّةِ الانفتاحَ الواسع على ثقافةِ المتعلمينَ في مجالاتها المختلفة، تاريخيا وأدبيا وعلميا… إنَّ المدرس أحادي اللغة يعجز عن التَّواصل والتَّحدث باللغة الإنجليزيَّة أو التواصل باللغة الثانية وإنَّما يعتمد على لغته الأم وهي اللغة العربية فقط، وهذا من شأنه أن يكونَ عائقا خطيرا لدى البعض في العمليَّةِ التَّعليميَّةِ التَّعلُّميَّةِ، إذ يعيقُ التَّواصلَ مع متعلِّمٍ لا يجيدُ اللغة العربيَّةَ بتاتًا، وبالأخص في عملية الشَّرحِ، وهنا يعتبرُ إتقانُ المدرسِ للغة الناطقين بغير العربية مفتاحا مهما لتسهيل العملية على المتعلِّمِ، وتحقيق تعلُّمٍ أفضلَ وأسرعَ، وهذا ما يفسِّرُ في أحيانٍ كثيرة، عدم التحاقِ الأساتذة بهذا الميدان، خوفا وخشية من عدم قيامهم بالعملية التعليميَّةِ على الوجه الكامل، وذلك رغمَ تمكنهم العلميِّ من اللغة العربيَّةِ إلا أنَّ الهاجسَ والجسرَ الفاصلَ بينهم وبين تدريسِ هذه اللغةِ هو عدمُ تمكُّنِهِمْ من التَّواصلِ باللغةِ الثَّانيَّةِ سواءٌ أكانت الإنجليزية أو الإسبانية.
وثاني هذه المشاكل انعدامُ المراكز التَّعليميَّةِ الَّتي تؤطرُ تكوينَ الأساتذة وتحتضنُ أنشطتهم التعليميَّة، إذ يشتكي عدد كبيرٌ من الأساتذة من هذا المشكل، خصوصا في دول أوروبا وأمريكا، إذ تقل الدوراتُ التكوينيَّة لتكوين وتأطير وتأهيل أساتذة اللغة العربيَّة للناطقين بغيرها، فهي عملية تحتاجُ إلى جهدٍ أكاديميٍّ تنخرطُ فيه الجامعات والمعاهد العليا، وتفتحُ فيه تخصصات يلتحقُ بها أولو التفوق اللغويِّ، أما الدوراتُ المدفوعة التي أصبحنا نشاهدها أخيرا فلم تعد تغني وتنفعُ الأساتذةَ، وأصبحت ذات أغراض ربحية ومادية دون أيِّ أبعادٍ تربوية وتكوينيَّة.
وثالثُ هذه المشاكل هو ضعفُ الكفاءةِ المتعلقة بمجال التكنولوجيا التعليميَّة لدى أغلبِ الأساتذة المدرسين، وهذا خلل جذري في تكوينهم الأكاديمي، فلا يُعقلُ اليومَ أنْ يجهلَ الأستاذُ طرق توظيفِ الوسائل التقنية والتكنولوجيا في درسه اللغويِّ، وهنا تجذرُ الإشارةُ إلى الأهمية البالغة الَّتي تلعبها هذه الوسائل في تعليم اللغات، فهي تستفيد من حقول معرفية مختلفة كعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة والسيميائيات والتداوليات… لذا وجبَ على مدرِّسِ اللغة العربيَّة لغير الناطقين بها أنْ يواكبَ العصر، ويعتمدَ على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذا صناعة المحتوى على المنصات والتطبيقات الإلكترونيَّة وغيرها من الوسائل، والتي استحوذتْ على متعلمي اللغات في العالم كنتيجة للعولمة، وكذلك لما تمتازُ به من قوة في التأثير على المتلقي من خلال جمالية الصورة وألوانها وتقنيات صناعتها والتي شهدتْ طفرةً هائلةً في العصر الحديث، فأصبحت الصورةُ حاضرةً بقوة في التعليم في شتى المقررات العالمية لتدريس اللغات، لذا يجب المسارعة في تأليف المعاجم البصرية الإلكترونية والاستفادة منها في تدريس اللغة العربيَّة للناطقين بغيرها، بالإضافة إلى صناعة الأشرطة الفنية والبصريَّة ذات البعد التعليميِّ، أي التَّي يقصد من ورائها تعليم فئةٍ معينة مجموعةً من الأهداف المسطرة.
وعموما فإنَّ تأهيلَ المُدرِّسِ يبقى الركيزة الأساسيَّةَ التي ينبني عليها نجاحُ تعليم اللغة العربيَّةِ للناطقين بغيرها، إذْ بالإضافةِ إلى إتقانِه اللغة العربيَّةِ في صرفها ونحوها وبلاغتها ومعجمها… يبقى في حاجةٍ إلى الاطلاع الواسعِ على الثقافاتِ والنحل الأخرى، وكذا إتقانه للغة المتعلمين.
(يُتبع)
#المشاكل #والمعيقات #التي #تواجه #مدرسي #اللغة #العربية #لغير #الناطقين #بها